تحقيقاتوطنية

معركة المخابرات في الصحراء

حقائق24

يعتبر الحديث عن الأجهزة الاستخباراتية في أغلب دول العالم بما فيها المغرب، حديثا عن عمق الأمن الداخلي والخارجي للدولة أو ما يصطلح عليه عادة بالأمن القومي، وذلك اعتبارا للمهام الجسيمة التي تضطلع بها هذه الأجهزة الأمنية التي تشتغل عادة وبحكم مهامها بعيدا عن الأضواء.

لكن الحديث عن الأجهزة الاستخباراتية الوطنية في الصحراء تحديدا يكتسي أهمية أكبر، وذلك بالنظر إلى العديد من الاعتبارات التي يمكن أن نوجزها في الوضع الاستثنائي الذي تعيشه هذه المنطقة على المستوى الدولي من جهة، ومن جهة ثانية لتعقيد الملفات المطروحة أمامها من جهة ثانية.

في هذا الملف سنحاول أن نقترب قليلا من بعض الأجهزة الاستخباراتية الوطنية، وأن نلامس أهم التحديات المطروحة فوق طاولتها.

 

أعد الملف: عبد الله الفرياضي

 

أجهزتنا المخابراتية: ما هي؟ وما هي مهامها؟

 

يمتلك المغرب مجموعة من الأجهزة الاستخباراتية التي لا يمكن الإحاطة بها جميعا نظرا للطبيعة السرية التي تحيط عمل هذه الأجهزة وحساسية الملفات التي تشتغل عليها، غير أن من بين أهم هذه الأجهزة بالإضافة إلى المكتبين الثالث والخامس التابعين للجيش وجهاز المخابرات التابع للقوات المساعدة وكذا التابع للدرك الملكي وغيرها من الأجهزة الاستعلاماتية، سنقف في ما سيأتي على أربعة أجهزة أساسية هي المديرية العامة للدراسات والمستندات ( DGED ) والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DST ) ومديرية الاستعلامات العامة (RG) إضافة إلى المديرية العامة للشؤون الداخلية.

 

المديرية العامة للشؤون الداخلية

 

 

تعتبر المديرية العامة للشؤون الداخلية بمثابة البنية التحتية لكل أجهزة الاستعلامات المغربية، بحكم اشتغالها القاعدي وبحرفية عالية على أبسط الجزئيات في مجال جمع المعلومات وتحليلها، بناء على شبكة كبيرة من المقدمين والشيوخ والخلفان والقياد والباشوات والعمال والولاة.

و تتحدد اختصاصات هذه المديرية التي يشرف عليها الوالي محمد غرابي حسب المرسوم رقم 2.97.176 في النظر في القضايا التي لها تأثير سياسي، والتحضير للانتخابات وتنظيمها من الناحية المادية وتدبير شؤون الولاة والسهر على مراقبة تطبيق النصوص التنظيمية المتعلقة بالحريات العامة وعلى تتبعها، وتتألف أربعة مديريات هي مديرية الولاة ومديرية الشؤون العامة ومديرية الدراسات والتحاليل ومديرية التنظيم والحريات العامة. إضافة إلى قسم الدراسات والتعاون وقسم الحدود وقسم المعلوماتية والانتخابات والدراسات المتعلقة بالإحصاء وكذا مصلحة التنسيق ومكتب الضبط السري.

 

 

مديرية الاستعلامات العامة والتقنين

مديرية الاستعلامات العامة هو جهاز استخباراتي تابع للمديرية العامة للأمن الوطني، يضطلع حسب المرسوم رقم 2.10.84 بمهمة إخبار الجهات المعنية بكل تهديد من شأنه المساس بالسيادة الوطنية والنظام العام وبمؤسسات المملكة وكافة المصالح الوطنية، وكشفه والحيلولة دون وقوعه.

ويرتبط عمله أساسا بجمع المعلومات السياسية في المجال الحضري بحكم عدم انتشار الشرطة بالبوادي والأرياف. كما يتكلف بتغطية كافة المظاهرات وجميعأنشطة الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني.

 

المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني

تتلخص مهام المديرية العامة لمراقبة التراب الوطنيحسب الظهير الشريف رقم 1.73.652 والذي يلغى ويعوض بموجبه الظهير الشريف رقم   1.73.10بمهمة السهر على صيانة وحماية أمن الدولة ومؤسساته.

ومن مهام هذا الجهاز أيضا مكافحة التجسس داخل المملكة ومراقبة جميع الأعمال والنشاطات التي يمكنها أن تمس بسلامة الدولة السياسية والأمنية و الاقتصادية أو العلمية.

ويتكون هذا الجهاز من مكتب للمدير العام ومصالح مركزية بالإضافة إلى مصالح جهوية، وقد تم تعزيز عمله مؤخرا بإحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية بناء على قرار مشترك لوزير العدل ووزير الداخلية رقم 3657.11، وذلك بعد منح عناصر هذا الجهاز صفة ضباط الشرطة القضائية، التي جعلت عملهم تحت مراقبة السلطات القضائية.

 

المديرية العامة للدراسات والمستندات

تعتبر المديرية العامة للدراسات والمستندات من أهم أجهزة المخابرات المغربية، ويعود تاريخ تأسيسهاإلى سنة 1973 بعد تحويل جهاز المخابرات “الكاب1” وتفتيته إلى إدارة للمستندات والوثائق والمحافظة على التراب الوطني، تولى في البداية مهمة إدارتها أحمد الدليمي حتى غاية 1983، ليخلفه بعد ذلك الجنرال عبد الحق القادري ثم الجنرال دو ديفيزيونأحمد الحرشي، وكلهم ينتمون إلى مؤسسة الجيش.

غير أن ميلاد العهد الجديد ف المغرب سيحمل معه ميلادا جديدا لهذا الجهاز من خلال تعيين جلالة الملك لأول مدني على رأسه، وهو محمد ياسين المنصوري، رجل القانون الذي أتى إلى قيادة المخابرات من الإدارة العامة لأكبر مؤسسة إعلامية رسمية في المغرب وهي وكالة المغرب العربي للأنباء التي خلف على رأسها عبد المجيد فنجيرو. تلقى منذ بداية التسعينات تدريبا خاصا بمصالح الأمن الفيدرالي الأمريكي كما سبق له أن شغل منصب مدير عام لمديرية الشؤون العامة مكان محمد اظريف.

تركز لادجيد كما تعرف اختصارا على الأمن الخرجيللمملكة، والتنسيق مع أجهزة الاستخبارات الخارجية في القضايا المشتركة.

لكن أيضا الأمن الداخلي، وذلك لمواجهة التحديات الكبرى التي بات المغرب يعرفها في ظل التغييرات التي طرأت على الخريطة السياسية والأمنية بدول المنطقة وذلك من خلال استباق الأحداث وتحليل المعلومات. وتتشكل من مديريتين للإتصالاتومكافحة التجسس ومصلحة للتنفيذ.

 

المينورسو وإشكالية المهام المبهمةإذا كانت صلاحيات بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية المعروفة اختصارا بالمينورسوحسب قرار مجلس الأمن رقم 960 المؤرخ بتاريخ 29 أبريل 1991، تتلخص حصرا في مراقبة وقف إطلاق النار والتحقق من تخفيض عدد القوات المغربية في الإقليم ورصد مرابطة القوات المغربية وقوات البوليساريو في المواقع المحددة؛ والإشراف على تبادل الأسرى وتنفيذ برنامج الإعادة إلى الوطنوتحديد هوية الناخبين المؤهلين وبالتالي تنظيم الاستفتاء، فإن ما تم تسجيله مؤخرا ببعض المدن الصحراوية من تحركات لبعض أفراد هذه البعثة الأممية يحمل الأجهزة الاستخباراتية الوطنية عبئا ثقيلا لا يقل جسامة عن باقي الأعباء التي تتحملها في هذه المنطقة.

إذ سجل غير ما مرة إقدام سيارات تابعة للمينورسوعلى استعمال كاميرات رقمية من أجل تصوير مختلف الأحداث التي تحدث خصوصا بمدينة العيون، علاوة على الحادث الذي شهدته مدينة الداخلة مؤخرا والمتمثل في قيام عناصر المينورسوبتصوير رصيف ميناء الداخلة و بعض السفن التي تحمل منتوجات سمكية، فإذا كانت هذه التصرفات قطعا تشكل خرقا واضحا لصلاحيات عناصر المينورسو التي خولها لها القرار الأممي رقم 960/91، فإنها تعيد إلى الأذهان عملية تحريض سابقة لصحراويين ضد المغرب من طرف عنصرين من عناصر المينورسو، وهي العملية التي سرب بشأنها شريط فيديو، يجعل التساؤل عن الأجندة الحقيقة التي يشتغل وفقها عناصر البعثة التي يرأسها الديبلوماسي الألماني فولفغانغ فيسبرود فيبرتساؤلا مشروعا.

 

 

إرهابيو الساحل والصحراء: الملفات الحارقة

لا شك أن التهديدات الإرهابية لمنطقة الصحراء تعتبر من بين أكبر الملفات الحارقة التي تنطرح بقوة على طاولة الفاعلين الاستخباراتيين الوطنيين، خصوصا وأن المغرب قد تمكن منذ مدة من إحباط مجموعة من المخططات الإرهابية التي كانت تستهدف منطقة الصحراء، وعلى رأسها خلية أمكالا التي تم تفكيكها على بعد 220 كلم من مدينة العيون، وبحوزتها 33 بندقية من نوع كلاشنيكوف وقذيفتين مضادتين للدبابات ومدفع هاون وكذا ألف و998 من الذخيرة الخاصة ببندقيات كلاشنيكوف. وهي أسلحة روسية الصنع مخبأة في منطقة خنك الزريبة بعدما تم تهريبها عبر الحدود بتواطؤ مع خمسة عسكريين.

هذا إضافة إلى تفكيك الخلية الإرهابية التي كانت تستهدف ضرب المناورات العسكرية المشتركة بين الجيشين المغربي والأميركي ضواحي مدينة الطانطان، وكذا تفجير مطار كليميم بدعوى انطلاق الطائرات العسكرية التابعة لسلاح الجو الفرنسي منه في اتجاه مالي.

وتبدو مهمة الأجهزة الاستخباراتية في هذا الصدد أكثر جسامة إذا ما استحضرنا الحزام الإرهابي الذي يطوق منطقة الصحراء، بحكم تغلغل العديد من الجماعات الإرهابية بمنطقة الساحل والصحراء، لا سيما تنظيم القاعدة في بلاد الغرب الإسلامي بقيادة الجزائري أبو مصعب عبد الودود، وجماعة الحركة من أجل الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا بقيادة الموريتاني أحمد ولد خيرو والموقعون بالدم التي يقودها الجزائريمختار بلمختار وجماعة أنصار الدين التي يقودها المالي إياد غالي.

ينضاف إلى ذلك كله ما سبق للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون  أن أشار إليه أشار في تقرير وجهه خلال أبريل 2013 إلى مجلس الأمن بشأن كون ” قادة البوليساريو أنفسهم لا يستبعدون بدورهم اختراقا من قبل الإرهابيين “.

 

المخابرات الإسبانية: عداوة أم صداقة)

 

من بين المعطيات التي تطرح أكثر من علامة استفهام حول موقع ملف الصحراء المغربية ضمن أجندة المخابرات الإسبانية يأتي موضوع تمكين الحرس المدني الإسباني في يناير 2009 من أحدث طائرات الاستطلاع التي ستخصص لمراقبة السواحل الأطلسية وعلى رأسها السواحل المغربية انطلاقا من جزر الكناري تحت ذريعة محاربة المخدرات والهجرة السرية، إلا أن مشاركة وزارة الدفاع في المشروع وإشراف قيادات بالجيش الاسباني عليه يوسع من دائرة هذه المراقبة ليشمل ربما مجالات أخرى تتعلق بالأمن الداخلي للدول المستهدفة بما فيها المغرب.

ينضاف إلى ذلك أن وزارة الدفاع الإسبانية سبق لها أن وقعت مع شركة “داسولت أفياسيون” وشركة “طاليس” الفرنسيتين الخاصتين بالصناعة العسكرية اتفاقا لتزويدها بطائرات استطلاع تجسسية إسرائيلية بدون طيار من طراز “هرون تيبي”، مميزات هذه الطائرة تكمن في أن محركها يعمل بقوة 1200 حصان، و يسمح لها بالتحليق على ارتفاع 45,000 قدم، فيما يبلغ وزنها حوالي 4650 كيلوغراما، الشيء الذي يمكنها من التحليق لمدة 36 ساعة متواصلة ودون توقف مما يعني أن كل رحلة استطلاع جوية ستزود وزارة الدفاع الإسبانية ب36 ساعة تسجيل مرئي وملايين الصور.

أما التذرع بالمخدرات والهجرة السرية فقد كان أيضا وراء القمر الاصطناعي الإسباني “سباين سات” البالغ وزنه 3.7 أطنان، والذي يندرج ضمن المشروع الذي أطلق عليه (سيهورس نيت وورك) حيث يقع مركز القيادة في مدينة لاسبالماس بجزر الكناريا دائما.

كما أن المغرب يعتبر من أهم الدول التي تنشط بهاالاستخبارات الاسبانية، وغالبا ما يتم ذلك تحت غطاء دبلوماسي، وهو ما يعيد إلى الأذهان حادثة طرد ثلاثة ضباط تابعين للمخابرات الإسبانية ( سيإن إي) من الناظور وتطوان كانوا ضالعين في عمليات عدائية ضد المغرب، خصوصا اختراقهم لبعض الجمعيات بالريف وتحريضها على المطالبة بالحكم الذاتي. وهو الأمر الذي لا تستبعد أطراف عديدة حصوله بناء على كل ما سبق في الصحراء، وذلك ارتباطا بالتنظيمات والميليشيات التابعة للبوليساريو، مع استحضار الدعم السخي الذي تلقاه تلك التنظيمات من أكثر من جهة إسبانية.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى