حوارات

حوار مع عبد الله الجعفري الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بأكادير

إصلاح منظومة العدالة ورش يرعاه جلالة الملك وزمن التعليمات الشفاهية قد ولى

يؤكد الأستاذ عبد الله الجعفري، الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بأكادير، أن جلالة الملك يعتبر الضمانة الأساسية لنجاح الورش الوطني الكبير بشأن إصلاح منظومة العدالة بالمغرب، مضيفا أن مسودتي مشروعي القانون الأساسي للقضاء والقانون المنظم للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ركزا بشكل كبير على أهمية تخليق مهنة القضاء.
الأستاذ الجعفري أكد أيضا أن زمن التعليمات الشفاهية قد ولى، وأن القضاء قد تخلص من تدخل السلطة التنفيذية في شؤونه وخاصة فيما يتعلق بتبعية النيابة العامة والتفتيش القضائي لوزير العدل. في الحوار التالي سنكتشف رفقة الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف بأكادير وضعية المحاكم التابعة لهذه الدائرة القضائية أيضا.
خلص الحوار الوطني الذي قادته وزارة العدل والحريات إلى إصدار ميثاق وطني حول إصلاح العدالة بالمغرب تفعيلا للتوجيهات الملكية في هذا الإطار، ما هو تقييمكم الإجمالي للظروف التي أحاطت بمختلف محطات هذا الحوار؟

كما تعلمون فإن تنصيب أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة قد تم من طرف جلالة الملك محمد السادس نصره الله بتاريخ 08/05/2012، إثر استقباله لأعضاء الهيئة وتوجيهه حفظه الله خطابا ساميا بالمناسبة حدد فيه جنابه المحاور الأساسية لهذا الإصلاح، ومنذ ذلك التاريخ عقدت عدة لقاءات جهوية ووطنية انتهت بإصدار ميثاق وطني حول إصلاح العدالة، وهو الميثاق الذي وافق عليه الجناب الشريف ونحن الآن بصدد مناقشة القوانين المنبثقة عن هذا الميثاق.
على العموم لقد مرت مراحل الحوار حسب البرنامج المسطر له من قبل وزارة العدل والحريات، ويصعب تقييم نتائج الحوار الآن مادمنا ما زلنا في مرحلة تنزيل مقتضيات الميثاق حتى تكتمل الصورة ويمكن بالتالي تقييمها.

شدد الميثاق على مبدأ تخليق القضاء من خلال تبني آلية تتبع ومراقبة الثروات والتصريح بالممتلكات، لكن بالمقابل هل أخذ بعين الاعتبار أيضا تحسين الوضع المادي للقضاة؟

كما جاء في ديباجة الميثاق فإن إصلاح منظومة العدالة يمثل دعامة أساسية لتوطيد الشفافية والمصداقية في المؤسسات وبناء الديمقراطية الحقة، لذلك فقد خصه جلالة الملك حفظه الله بمساحة مهمة في العديد من خطبه، أهمها خطابه التاريخي ليوم 20 غشت 2009 والذي اعتبر فيه القضاء الحصن المنيع لدولة الحق، وعماد الأمن القضائي و الحكامة الجيدة والمحفز للتنمية، ومن المحاور الأساسية التي شدد عليها الميثاق استجابة لخطابات جلالة الملك ومقتضيات الدستور الجديد خاصة الفصل 111 منه الذي يلزم القاضي بواجب التحفظ و الأخلاقيات القضائية واحترام واجبات التجرد والاستقلال، وهي اعتبارات أملتها ما تم تسجيله في عدة تقارير من تراجع في أخلاقيات الممارسة المهنية وأعرافها، الأمر الذي يفسح المجال لممارسات منحرفة مما لا يساهم في تحصين منظومة العدالة وتخليقها، كما أن مسودتي مشروعي القانون الأساسي للقضاء والقانون المنظم للمجلس الأعلى للسلطة القضائية سارا في نفس المنحى الحريص على تخليق مهنة القضاء وتتبع ثروات القاضي بالرجوع إلى آلية للنظر في تظلمات المتقاضين، وذلك كله دعما للشفافية والتخليق، وفي المقابل فقد تم تحفيز القضاة ماديا بإحداث درجات جديدة للترقي في الدرجة الاستثنائية من ثلاثة مستويات ج – ب – د، كما نص على ذلك مشروع القانون الأساسي للقضاة ، فضلا عن التعويض عن الديمومة والتكوين، كلها حوافز من شأنها تحصين القاضي والمساهمة في تخليقه.

على مستوى السياسة الجنائية، أكد الميثاق أنه سيتم الاشتغال على نزع التجريم عن بعض الأفعال والبحث عن حلول خارج المنظومة الزجرية ، بما ستفيد هذه الإجراءات؟

لقد نص الميثاق على نهج سياسة جنائية جديدة من خلال ملائمة القوانين الزجرية الوطنية مع أحكام الدستور ومبادئ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الجريمة والتنسيق بين السياسة الجنائية ومختلف السياسات العمومية للدولة لمكافحة الجريمة والوقاية منها، ونهج سياسة جنائية حمائية تستحضر مقاربة النوع الاجتماعي، وتعزيز الحماية القانونية للنساء ضحايا العنف وكذلك نزع التجريم عن بعض الأفعال والبحث عن حلول لها خارج المنظومة الزجرية، فأحيانا تقع سرقة زهيدة ولكن اقترافها بظرف الليل أو التسلق يجعل منها جناية رغم طابعها البسيط، ولعل في مثل هذه الإجراءات المساعدة على التخفيف من وطأة القضايا التي تحال على المحاكم من جهة والحد من اكتظاظ السجون، فضلا عن إحلال السلم الاجتماعي بين الأفراد عن طريق فض هذه النزاعات عن طريق الصلح، كما نص الميثاق على تحديث آليات العدالة الجنائية من خلال إحداث مرصد وطني للظاهرة الإجرامية والاهتمام بالإحصاء الجنائي، وذلك من شأنه كله أن يحسن السياسة الجنائية المعتمدة.

تحولت بمقتضى الميثاق الجديد رئاسة النيابة العامة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بدلا من وزير العدل، عمليا كيف سيساهم هذا التغيير في تعزيز استقلالية القضاء؟

لقد كان القضاء قبل دستور 2011 يعاني من تدخل السلطة التنفيذية في شؤونه وخاصة فيما يتعلق بتبعية النيابة العامة والتفتيش القضائي لوزير العدل، الآن في ظل أحكام الدستور الجديد، ولأن القضاء أصبح سلطة مستقلة، فكان من المنطقي أن يؤكد الميثاق على رئاسة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض النيابة العامة، وقد نص الفصل 110 من الدستور في فقرته الثانية على أنه يجب على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها، وفي ذلك أكبر الضمانات لاستقلال السلطة القضائية، ذلك أن قضاة النيابة العامة لم يعودوا تابعين لسلطة الوزير، وإنما لسلطة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض. كما أن زمن التعليمات الشفاهية قد ولى، وأصبح لزوما أن تكون التعليمات كتابية وأن تكون قانونية حتى يخضع لها قضاة النيابة العامة وفي ذلك استقلال حقيقي للسلطة القضائية.

على مستوى الدائرة الاستئنافية التي ترأسونها أين وصل مشروع عصرنة وتحديث الإدارة القضائية باعتباره لبنة أساسية من لبنات الإصلاح الشامل للمنظومة القضائية؟

إن مشروع عصرنة وتحديث الإدارة القضائية على مستوى الدائرة الاستئنافية لأكادير قد قطع أشواطا مهمة، فجل القضاة أصبحوا يطبعون أحكامهم بواسطة الحاسوب كما تم ربط كل المحاكم بشبكة الأنترنيت، ويتم الآن تتبع جدول الجلسات المدنية والجنحية عبر شاشات كبيرة معدة لهذا الغرض بسائر محاكم الدائرة، كما أن غالب الاستدعاءات والإجراءات أصبحت الآن تعالج بواسطة تقنيات التكنولوجيا الحديثة، فضلا عن استعمال وسائل الاتصال عن بعد في تبادل المعلومات بين مختلف محاكم الدائرة، وبينها وبين السلطة الحكومية المكلفة بالعدل في شخص وزارة العدل والحريات فضلا عن اعتماد تقنية vision confère لعقد لقاءات تنظمها الوزارة مع جميع المحاكم الاستئنافية، وهناك الإعداد للبوابات القانونية الإلكترونية بمختلف هذه المحاكم وتقوية مواقعها وتوجيه خدماتها المجانية المنتظمة، وذلك كله نسعى من خلاله كما جاء في الميثاق إلى إرساء مقومات المحكمة الرقمية في أفق سنة 2020 بما يضمن تقوية البنية التحتية التكنولوجية للإدارة القضائية، ونحن نصارع الزمن لتعميم ذلك تسهيلا لولوج المتقاضين ومن أجل خلق إدارة قضائية حديثة.

من بين النقاط التي ركز عليها الميثاق أيضا النقطة المتعلقة بالنهوض بالبنية التحتية للمحاكم لتوفير ظروف ملائمة للعمل والاستقبال ، كيف هو الحال بالنسبة للدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف بأكادير؟

من الأهداف التي سطرها الميثاق ضرورة وضع مخطط مديري لإرساء بنية تحتية ملائمة للمحاكم وأقسام قضاء الأسرة ومراكز القضاة المقيمين وفق معايير الجودة والملائمة الوظيفية قصد ضمان تحسين ظروف العمل والاستقبال بالمحاكم.
على مستوى الدائرة الاستئنافية باستثناء ابتدائية طاطا، فإن جميع المحاكم الابتدائية بالدائرة توجد في بنايات حديثة، وتتوفر على فضاءات ملائمة للعمل واستقبال عموم المتوافدين عليها بما في ذلك أقسام قضاء الأسرة باستثناء بعض مراكز القضاة المقيمين والتي سيتم إصلاحها حسب ما هو مسطر في المخطط المديري للوزارة، وتمت توسعة بعض المحاكم . كما أن المحكمة الإدارية أيضا توجد في بناية حديثة، فيما البناية الحديثة للمحكمة التجارية تعرف أشغالا متواترة وستكون جاهزة في القريب العاجل.

يشكل مبدأ النجاعة القضائية مطلبا ملحا من بين مطالب إصلاح العدالة، إلى أي حد استطاعت المحاكم التابعة للدائرة القضائية لمحكمة الاستئناف بأكادير أن تفعل هذا المبدأ؟

من الأهداف التي نص عليها الميثاق أنه يهدف إلى الارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء، وتسهيل الولوج إلى القانون والعدالة وإلى توفير عدالة قريبة وفعالة في خدمة المتقاضين.
والنجاعة القضائية كما أشار إليها الفصل 120 من الدستور ” لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وفي حكم يصدر داخل أجل معقول” فالنجاعة القضائية تعني السرعة في البث وتنفيذ الأحكام داخل أجل معقول، كما أشرت عند الحديث عن عصرنة المحاكم فقد ساهمت الوسائل التكنولوجية الحديثة في السرعة في الاستدعاءات والسرعة في طبع الأحكام، غير أن معضلة التبليغ تبقى حجر عثرة في سبيل تحقيق نتائج جيدة، فشساعة الدائرة وعدم ضبط العناوين والوسائل الاحتيالية التي يلجأ إليها بعض المتقاضين للتهرب من التبليغ أو التنفيذ كلها عوائق نعمل على التغلب عليها بمساعدة جهاز كتابة الضبط والسادة المفوضين القضائيين والسلطات المحلية، ومع ذلك يمكن القول أن غالب القضايا يبث فيها داخل آجال معقولة، وقد تم وضع برنامج تقريبي للعمر الافتراضي لكل قضية نحاول جهد الإمكانيات والوسائل أن نلتزم به.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى