سياسة

دلالات مصادقة البرلمان المغربي على القانون التأسيسي للإتحاد الإفريقي

1484842362

صادق مجلس النواب بالإجماع أمس، الأربعاء 18 يناير 2017، على مشروعع القانون يقضي بالتصديق على اتفاقية القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي الموقع بلومي، عاصمة الطوغو، في 11 يوليوز 2000 كما تم تعديله سنة 2003 بأديس أبابا، عاصمة إثيوبيا، ومابوتو، عاصمة الموزمبيق. وأحيل المشروع مباشرة بعد ذلك على مجلس المستشارين الذي أعلن عن عقد جلسة عامة للتصويت عليه في الساعة السادسة من يومه، الخميس 19 يناير 2017، بعد عرضه على اللجنة الدائمة المختصة في نفس اليوم.

وبمصادقة المجلسين على اتفاقية الميثاق المؤسس للاتحاد الإفريقي، الذي ينتظر نشره بظهير ملكي في الجريدة الرسمية يوم الجمعة، بسلاسة وتعبئة، يصير المغرب جاهزا كليا لاستعادة مكانه ومكانته في الهيئة القارية، وذلك بعدما استكمل الإجراءات المنصوص عليها في الميثاق نفسه وبعدما، وهذا مهم جدا، حظي بمساندة أغلبية مطلقة للدول الأعضاء التي عبرت عن ترحيبها بقوة باستعادة بلد ساهم في بلورة فكرة الوحدة الإفريقية في أول لقاء لقادة الدول الإفريقية انعقد بالدار البيضاء تحت الرئاسة الفعلية للملك الراحل محمد الخامس سنة 1960، وعمل على تحرير البلدان الإفريقية من الاستعمار، ويعمل اليوم على انبثاق نموذج للتنمية المشتركة بين بلدان القارة قائم على أساس مفاهيم من قبيل التعاون جنوب-جنوب ورابح-رابح التي تقطع مع الإرث الاستعماري والاصطفافات الإيديولوجية المتقادمة والأفكار الرثة التي تولد أوهام الهيمنة وتدفع إلى التشبث بممارسات عفا عنها الدهر وعافها.

مصادقة كل القوى السياسية والنقابية الممثلة في البرلمان على مشروع القانون القاضي بالتصديق على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي ليس مجرد تطبيق لمسطرة دستورية وطنية للتصديق على اتفاقية دولية، بل هو إعلان ثقة جماعية للفاعلين السياسيين والمغاربة جميعا في جدوى وفائدة اختيار الملك محمد السادس عودة المغرب إلى المؤسسات الإفريقية التي غادرها سنة 1984، تعبيرا منه عن رفض محاولة فرض أمر واقع من طرف النظام الجزائري على الدول الإفريقية بأسلوب الخداع والضغط والمناورة والفساد، حيث استعمل الأمين العام لمنظمة الوحدة الإفريقية آنذاك ادم كودجو استعمالا لا يمت بصلة للأخلاق ولا للقواعد المتعارف عليها في المنظمات والعلاقات الدولية.

ذلك أن هذه الخطوة تأتي في وقتها المناسب، وتتويجا لمجهود كبير ومتواصل مند سنوات لبناء الثقة على أسس متينة مع الدول الإفريقية عبر التواصل والحوار المستمرين والمبادرات السلمية، بما فيها المشاركة في القبعات الزرق وتسهيل حل الأزمات ووقف النزاعات كما هو الشأن بالنسبة للشقيقة ليبيا، والمبادرات التنموية والاستثمارات المهيكلة والداعمة للنمو والتنمية البشرية، والمبادرات الإنسانية الجريئة من قبيل تسوية وضعية المهاجرين والعمل على إدماجهم في المجتمع المغربي وحمايتهم بنشر قيم التسامح النابذة للعنصرية وللعداء للأجنبي الذي جعلت منه الدولة الجارة سياسة، وكذلك الانفتاح على مختلف أنواع التبادل والتفاعل باعتماد مقاربة تقوم على الاحترام والتقدير المتبادلين بين شركاء متساوين، مما جعل المغرب يقنع الشركاء الأفارقة بأنه شريك ذو مصداقية ورؤية إفريقية سليمة وناجعة. فالخطوة لم تأت خطوة معزولة ولا عشوائية ولا تقف عند حدود هدف بعينه.

إن الخطوة التي أقدم عليها المغرب اليوم، بعد إلحاح الشركاء الأفارقة الذين انتفضوا ضد الضغط والابتزاز، ليست موجهة ضد أحد كما أكد المسؤولون المغاربة مرارا، لأنها خطوة تتسم بالإيجابية والبحث عن السبل الكفيلة بتمكين القارة الإفريقية من تجميع وتوحيد الجهود في إطار من التناغم الذي لا نشاز فيه لرفع التحديات التي تواجهها، وهي لا تهدف فقط إلى استرجاع مكان ومكانة المغرب في المنظمة الإفريقية، بعدما استرجعها في علاقاته مع الدول بطرق راقية ومتعالية عن الأساليب القديمة لمن لا يزالون رهينة لنمط تفكير وطريقة سلوك منتهية الصلاحية زمنيا وواقعيا، وإنما إلى جعل العودة ترتبط بعرض مغربي للقارة الإفريقية يعطي لهذه المنظمة زخما ويحررها من الحسابات الضيقة والقاصرة ويحولها إلى فاعل دافع بعمل جماعي لإزالة العراقيل التي تعطل أو تبطأ السير الجماعي المنسق وبخلق قوة تفاوضية قارية مع الدول والمجموعات الأخرى على قدم المساواة.

ولعل الزيارات المتوالية والمتواصلة للملك محمد السادس، بالوتيرة المعروفة، لغرب وجنوب وشرق القارة التي توجت باتفاقيات للتعاون ومشاريع ذات طابع استراتيجي بالنسبة للتنمية الإفريقية وبالنسبة لتنمية المغرب في نفس الوقت علامة بارزة وفارقة، ومدعاة للاعتزاز بالدولة المغربية التي كانت قوية وذكية وجريئة وإنسانية في كل التحركات الإفريقية القائمة على سياسة متعددة المحاور ومتناسقة الأجزاء، بشكل فاجأ حتى بعض القوى العظمى الفاعلة تاريخيا في القارة، وخصوصا في هذا الوقت الذي تعيش فيه كثير من الدول، بما فيها دولة الجوار الشرقي، حالة من الهشاشة التي تشكل خطرا على أمن واستقرار وتنمية جوارها. ولعل ما تعرضت له الشقيقة مالي مؤخرا، واختيار التوقيت لذلك، من طرف عميل المخابرات الجزائرية مختار بلمختار، الذي يتحرك بقبعة القاعدة في ليبيا وبلدان الساحل، دليل على ذلك الخطر الذي يمكن أن يكبر في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها الشقيقة الجزائر.

إن مصادقة البرلمان بمجلسيه على مشروع القانون القاضي بالمصادقة على القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي بالإجماع وبحضور الجميع، بعدما حل مجلس النواب مشكلة رئاسته وهياكله بسرعة ليكون جاهزا لهذا الاستحقاق، يبين بشكل لا غبار عليه أن كل قوى البلاد مستوعبة للرهان الذي اختاره الملك محمد السادس وعمل على ربحه بجهد ذكي وكبير وواعية بالأفق الذي يسعى إليه سواء تعلق الأمر بالمصالح الوطنية أو بمصالح قارتنا الإفريقية التي تعتبر الامتداد الطبيعي والاستراتيجي والجيوسياسي الأول للمغرب، وأنها معبأة تعبئة كاملة في هذا الإطار لصد كل ما يمس بتلك المصالح ولإفشال كل محاولة لاختراق جبهتنا الداخلية المتراصة أو زعزعتها كيفما كانت الظروف وكيفما كان حجم الاختلاف بين الأحزاب السياسية ومختلف المنظمات بشأن القضايا السياسية الداخلية، على عكس الأطراف المعادية لوحدتنا الترابية التي لا تشعر شعوبها بأن قضية الصحراء تكتسي بالنسبة لها أهمية خاصة، رغم الضغوط الدعائية والعمل المخابراتي الذي لا يجدي نفعا، بل وتعتبرها عبئا ثقيلا يستنزف مواردها ولعبة جماعة تستعملها لأغراض السلطة والربح والتغطية على ممارسات فاسدة.

ولو توفرت الحرية للنخب الجزائرية المستقلة وللشعب الجزائري للتعبير عن الموقف من النزاع الذي يستمر النظام الجزائري في افتعاله مع المغرب لوجدنا أن الروح المغاربية ما تزال حية هناك كما هي حية هنا، وأن الجزائريين ضاقوا درعا من إصرار نظامهم على تعطيل القطار المغاربي وإغلاق الحدود وجعلها على ما هي عليه اليوم ومن العسكرتريا التي يقويها البعض في إطار التسابق والتطاحن القائم بين أطراف النظام والتي قد تدفعه إلى مغامرات بعواقب سيئة على الجزائر والشعب الجزائري الشقيق وعلى المنطقة برمتها.

إن لنا قضية وطنية وهذا مصدر قوة.

محمد نجيب كومينة

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى