مجتمع

الركود ينثر أوراق “الكتب المستعملة” .. ومِهنيون يبْكون الأطلال

roportag-hess

حقائق24- متابعة

أيوب التومي لهيسبريس

في محل صغير داخل زقاق بالمدينة القديمة بالعاصمة، تراه جالسا بوضعيته المعهودة إلى جانب عشرات الكتب المرصوصة كالبنيان، بعضها تحكي هلوسات دوستويفسكي الروائية، وأخرى يعيد فيها عابد الجابري كتابة تاريخ حافل بالرصاص.. “با محمد”، ذلك الشيخ الطاعن في السن، وبائع الكتب المستعملة الذي يعرفه الرباطيون جميعا..تجارته تعزف عن الازدهار كما يعزف المغاربة عن القراءة، وحتى موسم الدخول المدرسي لا يغير من واقع الأمر شيئا.. “حنا عايشين ببركة قليلة ديال الكتب ديال ديما، ماشي داك الشهر ديال الدخول المدرسي هو لي غادي يغنينا”، يقول با محمد بنبرة تعكس تقبله لحالة الركود الثقافي المستمرة منذ سنوات.

محمد ، برر عدم نشاط تجارته في موسم الدخول المدرسي بما تتطلبه الكتب المدرسية من رصيد مالي محترم يخول له شراءها، قائلا: “هادشي كيبغي راس المال”، قبل أن يوضح: “الكتوبة ديال المدرسة فيهم الخطار.. تقدر تغامر وتشري كتوبة ويتبدل المقرر الدراسي وتصدق خاسر في كاع داكشي لي شريتي”.. لهذا السبب يفضل “با محمد” الحفاظ على وفائه لكتبه وملء وقته بقراءة أسطر من صفحاتها في انتظار مثقف قد يأتي أو لا يأتي.

وبين الفينة والأخرى يأتي أحدهم ليبيع “با محمد” بعض الكتب المدرسية المستعملة، فلا يرده خائبا رغم موقفه من الأمر، كما وضح لنا ذلك قائلا: “إلا جا شي واحد بغا يبيع ليا كتوبة ديال المدرسة نقد نشريهم من عندو بواحد النسبة ديال 30 في المائة من الثمن الأصلي للكتاب الواحد، وكنبيع بــ50 في المائة”.. ومن لا يقبل بهذا السقف الذي وضعه فلا داعي لمساومته، “حيت البركة لي كنربحو فيهم قليلة..”، يضيف “با محمد”.

بكاء على الأطلال : 

داخل المدينة القديمة، لكن في شبر آخر من منها، وبالضبط في “القيسارية” المتاخمة لسوق “الكزا” المعروف، حيث تتواجد بعض المحلات الصغيرة المخصص لبيع هذا الصنف من الكتب، الكساد التجاري واضح للعيان، وكما يوضحه عبد الإله، صاحب إحدى هذه المحلات، قائلا: “حنا ما بقيناش كنحسو بديك السبعيام ديال الدخلة..ولينا ما كنبيعو ما كنشريو في الدخول المدرسي”، قبل أن يطرح سؤالا استنكاريا يعكس شعورا بالسخط: “هانتا دابا جلستي معايا..واش بان ليك شي حد جا سول في شي كتوبة ديال المدرسة ولا غيرهم..والو!”.

“في الفترة ديال الثمانينيات كاين النهار لي كنبيعو فيه 5000 درهم.. هاد المبلغ إلا ربحتي فيه غير 1000 درهم راه الخير والبركة..كنا كنبيعو شهرين و3 أشهر بدون انقطاع..ومن بعد كيجي الركود شي شويا، أما دابا ولات فحال فحال، وعادي هاد الفترة ديال الدخول المدرسي”، يحكي عبد الإله، الذي فضل مواجهة الكساد بمشاهدة رسوم تتحرك داخل صندوق تلفزي صغير داخل محل أكبر بقليل.

مهنة المخاطر :

من قلب العاصمة الرباط قطعنا وادي أبي رقراق صوب العدوة الثانية، وقصدنا طرفا مهمشا من أطراف مدينة سلا يحمل اسم “سوق تابريكت”..الساعة تشير إلى الثانية ظهرا إلا بضع دقائق، مع لهيب شمس صيف متقلب.. في الأرجاء مشهد أقرب إلى الكاريكاتير، كأن من رسم معالمه أراد أن يتهمك من المدينة ويصور بؤس جزء من ساكنتها..علب قصديرية بنية اللون من فرط الصدئ والأكياس البلاستيكية التي افتقدها الناس في حياتهم راقدة هنا تحت التراب وفوقه.

ظاهر هذا السوق يعكس تماما باطنه..خضر متنوعة وملابس بالية وحتى الكتب المدرسية حاضرة في موسم الدخول إلى المدارس..تتبعنا طريقا لا يشبه الطرق، بحثا عن أحد بائعي الكتب المدرسية، فوجدنا نور الدين، رجل نحتت قسوة الزمن خطوطا متعرجة على جبينه، متسلحا في مواجهتها بكلمات الحمد والثناء على خالقه، التي تكررت كثيرا في حديثه معنا.

ما يزيد من متاعب نور الدين في تجارة الكتب المدرسية تغيير المقررات بشكل مستمر.. “كل عام مبدلين مقرر..وهاد العام مبدلين التربية الإسلامية، دابا كاع لي عندو شي حاجة يلوحها ديال مقرر التربية الإسلامية القديمة..أنا شريت منها عرام ودابا ضعت فيها”، يقول الرجل بحسرة على مداخيل بسيطة راحت أدراج الرياح، قبل أن يضيف: “تغيير المقررات هو لي كيخلق الخطار في هاد الحرفة..تقدر تشري الكتوبة وتبقا حاصلة بين يديك”.

“واخا هادشي الحمد الله كاين الرباح، عاوتاني ماشي ما كتصورش والو كااع..شي صريف قليل..حنا مكنطمحوش لشي حاجة كبيرة..اللهم لك الحمد”، يقول نور الدين، ممسكا بأوثق عروة من الأمل.

وحول الأثمان المتداولة في السوق، كشف نور الدين بعض أرقامه الخاصة قائلا: “مقرر ديال مستوى الباك مثلا يساوي 30 ألف فرانك..على حساب البروغرام وعلى حساب حالة الكتوبة”، قبل أن يزيد: “نقدر نشري بـ50 في المائة من الثمن الأصلي ونبيع ب70 في المائة ونقدر عاوتاني نشري بـ30 في المائة ونبيع بــ 50 في المائة..على حساب البروغرام”.

ظاهرة قديمة : 

تجارة الكتب المدرسية المستعملة، وإن يرى البعض أنها منافس لتجارة المكتبات الناشطة حاليا، فإن الأمر ليس كما يبدو عليه، حسب تأكيدات أحمد الفيلالي الأنصاري، رئيس الجمعية المغربية للناشرين، الذي أوضح أن الأمر يتعلق بـ”ظاهرة لطالما كانت موجودة وليست بالجديدة”، قبل أن يضيف: “هذه التجارة تأثيرها محدود علينا نحن كناشرين، ولا تخلق أي مشكل بقدر ما تساعد الفئات الفقيرة على اقتناء الكتب المدرسية بأثمان منخفضة جدا”.

ويكمن المشكل حسب الأنصاري في “لجوء الأسر إلى شراء المقررات الدراسية الخاصة بالمستويات التحضيرية مستعملة، في وقت لا يساوي ثمن مجموع الكتب المطلوبة لفائدة تلميذ واحد في المكتبات أكثر من 50 درهما”.

وبخصوص الشكايات التي قابلنا بها معظم تجار الكتب المدرسية المستعملة من التغيير المستمر للمناهج والمقررات، نفا رئيس الجمعية المغربية للناشرين أن يكون هذا التغيير سنويا، بل فقط “يهم بعض الكتب التي ثبتت فيها بعض الأخطاء اللغوية أو عدلت بهدف تحيين الأرقام المتضمنة فيها”، قبل أن يزيد: ” التغيير هذه السنة سيشمل فقط مناهج التربية الإسلامية في جميع المستويات، بعد القرار الوزاري”.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى