ثقافة وفن

الزاهية الزهري : أنفقنا من ميزانيتنا الخاصة من أجل الفيلم الأمازيغي .. وهذه موصفات شريك حياتي

ميمون أم العيد –

فنانون يعرفهم الصغير والكبير، من خلال أعمالهم التي اشتهروا بها منذ ما يزيد عن عقدين، بعضهم لازال يتسلق جبلَ النجاح، وبعضهم “اعتزل” وطرق أبواب الضيعات والمعامل، بحثا عن لقمة العيش، وآخرون يعانون في صمت دون أن يجدوا أذنا صاغية، بعد أن تنكر لهم الجميع، وهم الذين أفنوا زهرة شبابهم في إمتاع الجُمهور وإضحاكه.. يتحدثون بكل عفوية، ولا نغير شيئا من كلامهم سوى ترجمته من الأمازيغية إلى العربية.

الزاهية الزهري:

وُلدتُ بمدينة أولاد تايمة، وهناك كبرت..أحببت التمثيل منذ صغري، فكنت كلما شاهدت فيلما أعجبني إلا وسارعت نحو غُرفتي لأُعيد تمثيله، أتقمّص دور البطلة وأبدأ في سرد الدور؛ أُضيف جملةً أو أنقص أُخرى، إلى درجة أن والدتي كانت تمنعني مشاهدة أفلام الحزن، لتأثري الكبير.

بدأتُ مع فرقة “تيفاوين للمسرح”، إذ طلبتُ من المُخرج أحمد بادوج أن يضمني إليها، فسألني إن كان والداي يوافقان على ممارستي الفن، فأجبته بالإيجاب، ثم جمعته بهما. والداي وإخوتي كانوا أكبر سند بالنسبة لي.

سألني المخرج بادوج عن غايتي من ممارسة التمثيل، وأخبرني بأنه إذا كان هدفي هو المال والثراء فقد أخطأتُ طريقي، فأجبته يومها بأنني أشعر في داخلي بأنني خلقتُ لأكون ممثلة ومغنية..أحب الفن وأريد أن أُمارسه.

الارتباك الأول

بدأتُ مع تلك الفرقة كمنشّطة، كنت فقط أُقدّم إنتاجها للناس قبل العرض..وأذكر أن أول مرة واجهت فيها الجمهور كانت لتقديم العمل المسرحي “أسونفو ن دّوو أوساون”، بمدينة تيزنيت.. بدأت بقصيدة أمازيغية عن مدينة تيزنيت الجميلة، وكانت القاعة غاصّة بالجمهور، وكان في الصفوف الأمامية مجموعة من الفنانين الأمازيغ، من ممثلين ومغنين، فارتبكتُ وأخطأتُ في نُطق كلمة إِسُّوسْمِي (أي أسعَدني)، فسخر مني الكثير من المتفرجين، لاسيّما أولئك الذين يتصيدون الأخطاء. ولما أنهيت القصيدة، تناول السيد أحمد بادوج الكلمة، وخاطب الجمهور قائلا: “دعوني أُقدّم لكم هذه الشابة الطموحة، اسمها الزاهية.. ولاَ يَغرّنكم ارتباكها اليوم أمامكم. أعدكم أنها ستعجبكم، وستكون فنانة في المستوى الذي تنتظرونه، إنها موهوبة”..كانت كلماته مثل الزاد بالنسبة لمُسافر غريب، لقد آمن بي، وشجّعني في بدايتي، لذلك بقي دائما في عيني ذلك الرجل الذي أُحبه مثل والدي؛ ذلك الطّيب الذي يُريد الخير للناس؛ ذلك الشخص الذي أدعو له دائما بموفور الصّحة وطول العمر.

مجموع أعمالي

اشتغلت في 74 فيلما أمازيغيا vcd و13 فيلما تلفزيا، منها أفلام أمازيغية وأخرى عربية، و3 مسرحيات و10 حلقات من قصص الأنبياء للتلفزة الأمازيغية، و4 أفلام وثائقية توعوية، و8 أفلام سينمائية قصيرة و7 أفلام سينمائية طويلة..وآخر أعمالي عبارة أن ألبوم غنائي، إذ سبق أن غنيت في فيلمين، وكان الناس يثنون على صوتي، ففكرت أن أخوض هذه التجربة.

كتبت قصة فيلمين؛ الأول اسمه “الدونيت أوركيس لامان”، والثاني اسمه ملاك، وهو يبث الآن على القناة الأمازيغية، من إخراج المقتدرة فاطمة بوبكدي، وإنتاج الحسين المالكي؛ واشتغلتُ فيه رفقة مجموعة من الوجوه الأمازيغية المعروفة، مثل نور الدين التوهامي، وحميد اشنوك، وأحمد ازناك، وهشام ورقة، وخديجة سكرين، وخولة الجعفري، والسعدية الزهري، وغيرهم من النجوم.

الجوائز

حصلت ست مرات على جائزة أحسن ممثلة، وكل الأعمال التي أدّيتها كانت جزءًا من روحي، أُنهيها وأنا أحمل منها قيمة مضافة لمساري وأعمالي.. أنتقد نفسي عندما أشاهد عملا لي، وغالبا ما أقول في نفسي: كان يجدر بي أن أقوم بهذا بدل ذاك؛ لكنني لم أندم أبدا على اختياري الفن. لقد نضجت بما يكفي الآن لأُحسِن اختيار الأعمال التي تُشرّفني وتدفعني خطوة إلى الأمام، وكثيرا ما رفضت الاشتغال في أعمال بثمن بخس جدا، وهو ما تقبله أُخريات، لكن كل شخص حُر، ويعرف قيمته أكثر من الآخرين.

أقف احتراما للذين سبقوني

في صغري، كانت لدي أمنية أن أشاهد فيلما أمازيغيا على شاشة التلفاز، وكان ذلك في الماضي حلما كبيرا، وبعد مرور كل هذا العمر، أشعر بالفخر الشديد بما وصل إليه الفيلم الأمازيغي في المغرب وخارجه.. ومع ذلك كبرت أحلامي في أن يرقى الفيلم الأمازيغي إلى العالمية، وأن يتعرف العالم على هويتنا وثقافتنا، وتقاليدنا وقيمنا الحضارية. لقد عانى الجيل الذي سبقني كثيرا من أجل بعض المكتسبات التي تحققت الآن، وأنا اشتغلت في بدايتي في تلك الظروف.. لا يتقاضون مقابلا، بل ينفقون من مالهم الخاص من أجل الفن الذي يعشقونه.. يقترضون الملابس والأدوات اللازمة للتمثيل من أجل أن يمارسوا ما يحبونه.. مارسوا المسرح في القرى وفي الشارع بدون مقابل، ولم يكونوا يفاوضون على الأجر ولا على ظروف التمثيل أو الإقامة أو غير ذلك.. كانوا متحمسين لأنهم الرواد، ولذلك أنا أحترمهم.

الزاهية والحُب

أومن بأن الزّواج أرزاق، لكن الذين تقدموا لخطبتي لم يقتنعوا بما أقوم به.. كثيرون أُعجبوا بي، لكنهم لا يعترفون بما أقوم به.. أحيانًا يعبر لي الرجل عن إعجابه الكبير بعملي، وأثناء حديثنا عن الزواج يشترط علي ترك الفن، بمبرر أن أهله يرفضون أن تكون زوجته فنانة. وطبعا لا يمكنني أن أغير مسار حياتي لإرضاء عائلة شخص ما ضدا على رغباتي وطموحاتي.

لم أجد بعد ذلك الرجل الذي أبحث عنه، وهو ذلك الذي يقبل بي كما أنا، بنقاط ضُعفي وقوتي، بما لدي من جمال وقُبح، كما أنا، (غِيكْلّي ڭيغْ)، لا أن يفرض علي أن أُتغيّر أو أفرض عليه ذلك. أريده شخصا عاديا، يؤمن بي، وإلا فلن أتزوج، ولست الأولى والأخيرة التي عاشت حياتها دون زواج.

أعتقد أن الحب وحده لا يكفي للزواج الناجح؛ ولن يكون هو معياري الوحيد؛ كما لن أتزوج ليقول الناس إنها تزوجت.. حياتي الخاصة ملكي وحدي ويجب علي أن أعيشها كما أريد، لا كما يريد الآخرون. مؤسسة الزواج كبيرة جدا، وعلى الزوج أن يكون مسؤولا حتى يكون أبا جيدا، لأنني لن أرتبط به وحدي، بل سيتحمل مسؤولية تنشئة أولاد هم في الأول والأخير سيمثلون جيلا في مجتمع قادم.

الحكرة

من خلال تجربتي، لا فرق لدي بين فنان أمازيغي وعربي، سواء في الأجر أو المعاملة، لكنني مع ذلك أرجو أن يتم الالتفات إلى الفنان الأمازيغي، وإلى الإنسان الأمازيغي عموما.. لقد ناضلنا كما ناضل الذين سبقونا من أجل أن يصل الفن الأمازيغي إلى ما وصل إليه الآن.. اشتغلنا في ظروف قاسية في الصحاري والجبال دون أجر من أجل أن يكون لنا فيلم أمازيغي بلساننا الذي نفهمه.. أنفقنا من ميزانيتنا الخاصة من أجل الفيلم الأمازيغي، واستعرنا الديكور من منازلنا، واستعرنا ملابس أهلنا وأقربائنا لنمثل بها ويمثل بها زملاؤنا؛ لذلك يجب على الدولة الآن أن تدعم الفن الأمازيغي وتدعم المهرجانات المهتمة بالفيلم الأمازيغي، مثل مهرجان ورزازات ومهرجان إسني ن وورغ.

أتمنى المزيد من الاهتمام بالإنسان الأمازيغي.. لقد اشتغلت في المداشر البعيدة ورأيت بأم عيني كيف تضيع حقوق النساء فيها، لأنهن لا يتحدثن الدارجة بشكل جيد، ولا يستطعن نقل معاناتهن وآلامهن للطبيب والممرض، والشرطي والقاضي، فتضيع حقوقهن في بلدهن ويشعرن بالمزيد من “الحكرة” والضياع.

أشكر كثيرا منحت لي فرصة التواصل العفوي مع جمهوري، الذي أريد أن أقول له: أحبك.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى