الرأي

بونيت يشرح خطورة أردوغان على الديمقراطية التركية

 

د.عز الدين بونيت

 

في الخطاب الذي ألقاه أردوغان في ساحة تقسيم في تجمع لأنصار حزبه، اسنعمل عبارات دينية واضحة، متخليا بشكل نهائي عن التوازن الذي ظل يراعيه منذ وصوله إلى السلطة في 2002 إزاء مبدأ العلمانية المؤسس للجمهورية التركية. فقد نسب الانتصار على الانقلابيين إلى الله وحده ولم يأت على ذكر دور الشعب التركي ولا دور المدافعين عن الديمقراطية في هذا الانتصار، وقال إن إرادة الله وحده هي التي نجته من الموت ومكنته من الوقوف خطيبا فوق المنصة تلك الليلة. وقد استفاض في شرح الأمر وذكر ببعض الآيات القرآنية التي تعبر عن هذه الأفكار.

نحن لا نلوم أردوغان ولا نحاسبه على مضمون عقيدته الدينية، فهذا أمر لا نملك إليه سبيلا ولاحق لنا فيه. لكن واجبنا يحتم علينا أن ننبه إلى ما وراء العبارات المدغدغة للعواطف الدينية من مدلولات سياسية. كان واضحا أن الرجل يتجه إلى التنصل من أفضال المعسكر الديمقراطي على نجاته من الانقلاب. ويريد أن يستأثر بفاكهة هذا الانتصار لحزبه وأتباعه وحدهم. فمن جهة أولى، هو يوجه أصابع الاتهام إلى من يسميهم “جماعة فتح الله غولن، أو الدولة الموازية”، في استحضار واضح لمفهوم الدولة العميقة الذي سبق لمرسي وحزبه أن استعملوه في مصر. ومن جهة أخرى ينفي عن بقية معارضيه أي فضيلة في الحفاظ على الديمقراطية والشرعية.

كان الخطاب واضحا تماما في تعداد الخطوات التي هو مقبل على اتخاذها، ومنها تغيير ساحة تقسيم تغييرا جذريا للقضاء على ما تبقى من رموز إرث أتاتورك، ووعد بأن الجسر الذي سيدشنه بعد أسبوع سيحمل اسم السلطان سليم وأنه سيزيل المركز الثقافي أتاتورك من قلب اسطامبول، ويبني مكانه أول دار للأوبرا، وسيعيد مسجد أيا صوفيا إلى وظيفته الدينية الأصلية، فضلا عن مساجد أخرى دعا أنصاره إلى ملئها بكثرة. ولم يفته ان يتحدث صراحة وبوضوح عن انتماء حركته إلى التراث العثماني.

الجزء الأكبر من الخطاب كان يحمل نبرة استئصالية لا تخفيها الكلمات، حيث وصل به الأمر إلى استعمال عبارات قريبة من تلك التي استعملها الراحل معمر القذافي في خطابه المهلوس، خطاب الجرذان وزنقة زنقة.. حيث توعد من يستهدفهم بهجومه بالمطاردة المستمرة وبإخراجهم من جحورهم..

انطلاقا من هذا الخطاب أصبحت أقرب إلى الاقتناع بأن الديمقراطية في تركيا هي اليوم أكثر عرضة للخطر، على يد من خرج من الانقلاب منتصرا باسم الديمقراطية..

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى