تحقيقات

أكادير و حكاية القصر المسكون

 

ارتبط القصر الملكي بأكادير بقصص يرويها الخدم كما يقال، لكنها ارتبطت بقوة بالملك الراحل الحسن الثاني، حتى أن بعض الغربيين قد احتاروا بسببها في تصنيف شخصية الملك الموسومة لديهم بالازدواجية، حيث كان يفوق أي مغربي في تجسيد العصرنة و الحداثة، لكن ارتباط اسمه بالقصص التي صارت تروج حول قصر أكادير جعله يبدو أحيانا من أكبر المحافظين المتشبتين بالتقاليد و الأعراف الغارقة في القدم، و التي يصعب على العقل تقبلها.

تقول الروايات المنسوجة حول قصر أكادير أن هناك كائنات تسكنه من غير بني البشر، إذ منذ انتهاء الأشغال به و الحكايات تتناسل على أنه مسكون من قبل نوع من الجن الأزرق أو جن الشواطئ و كان حسب ذات الروايات يخرج بالليل ليعبث بأثاث القصر و يبث الرعب في نفوس ساكنيه.
و تضيف الروايات أن الفقهاء الذين استعان بهم الملك الراحل لطرد تلك الأرواح الشريرة من القصر لم يفلحوا في تحقيق هذا الهدف، و هو ما دفع بالملك إلى أن يهجر القصر و يقرر عدم العودة إليه مرة أخرى.

غير أن بعض المحللين ينظرون إلى هذه القضية من منظار آخر غير المنظار الشعبي الذي تفنن في نسج هذه الحكايات و ترويجها بشكل كبير، حتى غدت أكثر من الحقيقة في نظرهم حيث أن مجيء الملك محمد السادس قد فند تلك الإشاعات لكون قصر أكادير من بين القصور المفضلة لديه، فلو أحسن بتلك الكائنات الغربية و الأرواح الشريرة لما فضل المجيء المتكرر إلى هذا القصر و الإكثار من زيارته و الإقامة فيه إلى حد اعتقد فيها الجميع آنذاك أن الملك يفكر في تغيير عاصمة المملكة من الرباط إلى أكادير، نفس الرأي أكده”  لحقائق مغربية ” الحاج الطيب الهوزالي المقرب من القصر الملكي، إذ قال في معرض كلامه عن حكاية القصر و ساكنيه من الجن أن محمد السادس لا يخاف من الجن و لا يعتقد في ذلك، كما أنه لا يحدث الفقهاء في هذا الموضوع أبدا، كما أنه لم يسبق له أن دعاهم لطرد الجن و إنما كان يدعوهم ليكرمهم فقط، و يضيف أنه: “بعد أن تم إتمام بناء قصر أكادير الذي يعتبر قصرا فريدا في معماره و شاسعا من حيث مساحته و نظرا لكون البنايات الشاسعة التي ليست فيها العمارة، أي لم تسكن بعد من طرف بني البشر يسكنها الجن، فقد استقدم الملك في هذا القصر فقهاء سوس لتلاوة القرآن و إقامة الصلاة، و كنت من بين هؤلاء الفقهاء الذين استدعاهم الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله كما أنه كان يتلو معنا دائما في هذا القصر الحزب الراتب، و القصر ليس فيه أي جن أو عفريت، بل بقي على أحسن ما يرام إلى يومنا هذا و لم يسكنه جن و لا شيطان، إنما تلاوة القرآن كانت عادة تقام بعد كل بناء جديد، خصوصا إذا كانت مساحته شاسعة كما هو الشأن بالنسبة لقصر أكادير، أما ما يقوله الناس فليس إلا إشاعات و تخيلات، و هي إشاعات نشرها خدم القصر الذين يبلغ عددهم حوالي 15 ألف، إذ يقولون بأن الأواني تتحرك و كذا الأثاث أو الصنابير و النوافذ تنفتح بمفردها، و هي كلها إشاعات لا أساس لها من الصحة.

و يرى العديد من المحللين أن هذه الإشاعات لا يمكن فهمها دون فهم و استحضار السياق التاريخي الذي نسجت فيه، و كما سبقت الإشارة إلى ذلك سياق تاريخي موسوم الصراع على السلطة بين النظام الملكي من جهة و بعض التيارات السياسية المعارضة، و القيادات العسكرية الانقلابية من جهة ثانية، حيث استطاع الحسن الثاني أن يوظف هذه الإشاعة التي راجت حول قصر أكادير كنوع من أسلحة الصراع من أجل السلطة بمعناها العام، ما دام أن الحكايات المتناسلة بفعل الشعودة تعتبر سلاحا لكونها جزءا من العلاقات الاجتماعية التي تعتبر كل علاقة منها شكلا من أشكال السلطة؟ و بالتالي تعد نوعا من أنواع أسلحة الصراع من أجل الحصول على السلطة أو التمسك بها يخلق و تكريس الجانب الكاريزمي للماسك بزمام السلطة و تدعيم نفوذه و سلطته و تقوية هبيته.

و هو ما توفق فيه الملك الراحل من خلال توظيفه حكاية قصر أكادير التي جعلت من هذا القصر الذي يرمز إلى النظام مكانا محاطا بالهالة التي ليست إلا هالة اكتسبها من خلال القصر النظام الملكي نفسه.

 

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

تعليق واحد

  1. لماذا لم تقل هذا الكلام في عهد المرحوم الحسن الثاني قدس الله روحه؟ هذا التحليل يبين قصر فهم صاحبه وعدم درايته بالحقيقة. فقط يقول ويتخيل من مخيلته. إنه تحدي كما هو موجود في لندن وأماكن أخرى لا علاقة لها بالعلم

اترك رداً على خليل إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى