الرأي

اليوم في حاجة إلى مغرب المؤسسات ولسنا في حاجة إلى الشعارات

عبدالهادي حنين _

لقد اختلف الكثير في تعريف الدولة، فمنهم من ربطها بالسيادة الترابية، ومن من ربطها بالمؤسسات وسيرها، ومنهم من أعطاها مدلولا في علاقتها بالأفراد والجماعات. وما الدولة إلا نسيج مترامي الأطراف يتجاوز كل التعاريف ويتعمق أكثر ويمتد عبر التاريخ وتحده النظرةالاستشرافية للمستقبل، الدولة هي مفهوم معقد تتشابك بداخله الثقافات والعادات وتتفاعل في جغرافيته الأفكار والآراء والتوجهات، الدولة هي كيان بداخله تحيى المؤسسات والأدوار والمهام، فلا يمكن أن تبنى أي دولة أو تستمر إن فقدت دورها المؤسساتي، فالأسرة مؤسسة والإعلام مؤسسة والدين مؤسسة والبرلمان والحكومة… لا يختلفان عما سبق، والدولة لا يمكن أن تستمر إلا بداك التعاقد العفوي بين مختلف مؤسساتها وهياكلها في احترام تام للمهام والتخصصات.

فالمغرب من الدول التي تمتلك تاريخا حافلا بالتراكمات، بما تحمله من ايجابيات وسلبيات، وبما يتمازج فيه من انجازات واخفاقات، فالمتصفح لتاريخ المغرب الحديث يلاحظ جليا أن جميع مؤسساته بنيت على صراع طبيعي يستمد شرعيته من البنية السلوكية لأفراده ومواطنيه، هذا الصراع الاجتماعي في كل محطاته كان يزداد شيء فشيئا، فتارة كان من أجل البقاء، وأخرى من أجل فرض الوجود، وفي مجموعة من المحطات كان الصراع من أجل السلطة، ففي كل محطة كان هناك تنافر وتجاذب وتباعد في وجهات النظر، وكذا في المقاربات والحلول والاقتراحات.

فمغرب الزوايا والمواسم ليس هو مغرب الانقلابات وأيام الرصاص، ومغرب الاستعمار ليس هو مغرب ما بعد الاستقلال، والمغرب الممتد في افريقيا وفي الصحراء العربية ليس هو المغرب المستشرف والمكتشف للثقافة الأوربية والغربية، فكل هذه المحطات والتجارب ساهمت بشكل أو بآخر في تكوين بنية اجتماعية سلوكية بين جميع مكونات وأطياف المغرب الموحد، بنية ترتكز على الخوف من المجهول والصراع الدائم عن السلطة، والانسلاخ والابتعاد عن القيم والأخلاق والجري وراء المادة والربح السريع والبركماتية والانتهازية السلوكية، فكل هذه الأشكال ستجد امتدادا لها داخل المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، الشيء الذي سينتج عنه مجتمعا ينتصر إلى الفردانية والنظرة الدونية إلى الأخر وباقي المكونات.

إلا أن المغرب الحديث في مرتكزاته وأساليبه لا يختلف كثيرا في عمقه عن مغرب ما قبل الاستعمار، فلا تزال هناك العصبية والقبلية بمفهومها الحديث، ولا تزال هناك أنظمة اجتماعية لم تغير سوى شكلها وحتفظت بالأسلوب والطريقة، رغم التطور الذي شهده العالم بصفة عامة والمغرب بصفة خاصة، مما نتج عنه مجموعة من الظواهر والسلوكيات التي ترتبط ارتباطا وطيدا بالمؤسسات الاجتماعية، فاليوم مثلا لا يمكن أن نتكلم عن اللامركزية على الصعيد الوطني ونعطي مفهوما للمركزية لمراكز الجهات، لكي تمارس المركزية بطريقة غير مباشرة وبحجم أصغر، بل اليوم نحن في حاجة إلى اللا مركزية في السلوك والفعل وواقعا معاشا في علاقة المؤسسات بالأفراد أو علاقة المؤسسات فيما بينها، بتفاعل تلقائي لا حاجة فيه لتعقيد المساطر أو الوصاية الجهوية.

ما يقع اليوم في المغرب من مظاهر واشكالات تطفو على السطح، التي يربط فيها الاحتماعي بالاقتصادي، والسياسي بالبنيوي والثقافي بالسلوكي، والتي تتفاقم وتتكاثر يوما بعد آخر، لا يمكن مواجهتها بحلول ترقيعية تتمثل في تغيير المسؤولين أو وضع برامج محدودة الأمد، بل اليوم نحن في حاجة إلى مُصالحة وطنية يتحمل فيها الكل المسؤولية، ونحتاج كذلك إلى التصالح مع ثقافتنا وهويتنا وتاريخنا وننظر بكل عزم وإصرار وإرادة إلى المستقبل، مستحضرين الأخطاء والانجازات والمطبات، ولنا الرغبة فيما هو أفضل، اليوم لا يمكن التكلم عن بناء المغرب الحديث بالصراعات المجانية بين مختلف مكوناته، والتي تساهم في تعطيل عجلة التنمية، اليوم نحن في حاجة إلى نظرة شمولية تجعل الفرد حلا من مجموع الحلول وليس اشكالا يحتاج إلى حل .

 

اليوم نحن في حاجة إلى اعادة بناء الثقة بين مختلف مكونات ومؤسسات المجتمع، من خلال بناء سلوك الفرد داخل المجتمع، فلا يمكن أن يبنى أي مجتمع في غياب دور الأسرة والمدرسة، فهما مؤسستان مساهمتان في البناء المجتمعي، اليوم نحن في حاجة إلى صناعة النخب ولا حاجة لنا في الشعارات الرنانة والانتهازية والمجانية، بل الاعتراف بالأخر ككيان يختلف عنا اختلافا جدريا، يكون الحوار بيننا وسلة للتواصل، والصراع يقوم بين البرامج والتصورات فالمنافسة هي التي تخلق الفرق بيننا، وليس بشيطنة الأخر أو بالبركماتية النفعية، فاليوم لا يمكن بناء دولة المؤسسات خارج التدافع والتكامل بين مؤسساتها ومكوناتها، ولا يمكن أن تكون تنمية شاملة، إلا برؤية شمولية تشرك جميع المكونات المجتمعية من أجل الوصول إلى الحلول الحقيقية، عن طريق النقد البناء وتقديم المقترحات والعمل على بلورة المبادرات الفردية والجماعية وخلق مجال للتنافس فيما فيه الصالح العام.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى