مجتمع

عين على متاهات “الخليع” المغربي

أكلدون إذبكريم – كاتب رأي وناشط أمازيغي

ثمة دائما جانب مرعب في أي حادثة أو كارثة تقع، والجانب المرعب في حادثة قطار “بوقنادل ⴱⵓⵇⵏⴰⴷⴻⵍ ” التي خلفت سبعة قتلى و 125 جريحا من بينهم من يعاني إصابات بليغة، لا يكمن فقط في الأخطاء البشرية والتقنية الكثيرة والمتكررة، أو يكمن في الحادث ورعبه في حد ذاته رغم مأساويته. بل الرعب هنا تطور واكتسى صورة سلوكات مشينةً رافقت تفاصيل ما بعد الحادثة بدقائق. حيث تعرض الضحايا والجرحى للسلب والنهب من طرف أفراد ومجموعات منظمة حلت بموقع الحادث، كأننا أمام مشهد بإحدى المعارك بالقرون الغابرة والقرون الوسطى، حيث كان المقاتلون المنتصرون يقومون بعملية “الفيء” أي سلب الطرف الخاسر كل ما يملك من عتاد ومال.
وإن سطرنا مقاربة أخلاقية للحادث، فالطرف الخاسر أو الأطراف الخاسرة، إن صح التعبير هي قيمنا وأخلاقنا. فبهذا التشخيص الذي نروم أن يكون واقعيا قدر المستطاع، قد ندق أجراس الخطر، ونحن نتعرض لمعضلة تضع قيمنا الاجتماعية والوطنية والإنسانية على المحك، وتميط اللثام عن تناقضات عميقة يشهدها واقع الإنسان المغربي. تناقضات يعجز حتى ذوو الألباب منا أصحاب “مقاربات الحكامة الجيدة” وغيرها من المصطلحات، عن استيعاب أسرارها الملغزة وتفكيك تداعياتها المبهمة. على اعتبار أن قيمنا قد أصبحت تتجاذبها ثنائيات متنافرة ومتضادة، كالمعرفة والجهل، الحداثة والجمود، الإزدهار والتخلف، الغنى والفقر ولعدالة والجور وغيرها… لأن القيم الاجتماعيّة والأخلاق من أقوى ما تبنى به المجتمعات، ومن أهم الروابط التي تربط بين أفراد المجتمع.

وإن كانت أسباب حوادث القطارات في المغرب، راجعة بالأساس إلى تلاشي وتقادم التجهيزات والمنشآت السككية والقطارات، واعتماد مقاربة الصيانة بدل التحديث وتغيير المنظومة التقنية برمتها، فإن منظومتنا الأخلاقية كذلك تحتاج لتحديث شامل بعيد عن الصيانة الموسمية والمناسباتية المتدثرة بعباءات الطرح الديني وغيره من الطروحات الإيديولوجية. هذا التحديث الذي يتكامل بالضرورة مع الوجود الإنساني من خلال الفعل الأخلاقي على مستوياته كافة. فمعيار الأخلاق الحقيقي يكون في مقدار ما يبديه الفرد من احترامه لذاته وللقانون الذي وجد لخدمته.
ويتجسد كذلك هذا المعيار في المحافظة على الوطن بمفهومه الواسع البعيد عن ثنائية دخيلة تُختصر في “عياشي / انفصالي” وتعني الصدق في التعامل وعدم الغش والأمانة العلمية ونظافة اليد وتبني مرجعية الضمير المسؤول، وفي عدم استغلال المنصب في المنفعة الشخصية. أما ما ينتهجه الإنسان في مسلكياته الشخصية الخاصة فأمر يخصه وحده، وفقاً لما هو حق له في الحياة من دون أن يلحق الأذى بأحد.

ولا يخفى كذلك أن سيادة القيم السلبية المنتشرة ببلدنا رغم بعض القيم الإيجابية القليلة المتبقية (مثلا: التبرع بالدم من طرف المواطنين بعد حادثة بوقنادل والغضب الشعبي من تعامل الدولة وعديمي الضمير واللصوص مع الحادثة)، فهي نتاج لسياسات الدولة في الجانب السياسي والاقتصادي. فهذه السياسيات لم تحدث انكسارا فى المسار الاقتصادي فحسب، بل امتد هذا الانكسار إلى الأبعاد الاجتماعية، والمنظومات القيمية الحاكمة فى المجتمع. إذ وجدنا أنفسنا كمجتمع مغربي نقف أمام حالة مجتمعية أقرب إلى السقوط، مجتمع سلبي لا إرادة له، ولا فعل. إنه السقوط الأخلاقي المؤدي إلى الهلاك المجتمعي لا محالة.

نعيش فترات من الرعب “الخليع” من جميع النواحي، حيث تسللت النزعة “الخلعانية” إلى المجتمع المغربي. الكل “مخلوع” من الآخر، الدولة “مخلوعة” من الشعب، والشعب “مخلوع” من الدولة، والشعب “مخلوع ” من بعضه أيضا.
وأهم تمظهرات “الخليع ” كذلك هو عندما ترتعب الدولة من مجرد إقامة حداد وطني على ضحايا الكارثة، لأنها تخشى على نفسها من سلطة ومركزية الإنسان المغربي الذي قد ينافس سلطتها المشكوك فيها أصلا.
ويبقى “الخليع” كذلك من ألذ المأكولات المغربية المجففة، كلما تقادم كان ألذ و أشهى…

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى