مجتمع

القتل المصور .. أمينة ماء العينين نموذجا

بقلم: الحسين حريش

حينما كتب رولان بارت قائلا: “نحن نعيش في حضارة الصورة كان صائبا فنحن نعيش حالة تدفق للصورة لا يستطيع الإنسان مجاراتها، ولا العيش بدونها، تماما كما قال قبله بآلاف السنين أرسطو: “يستحيل التفكير بدون صور “هكذا هي الصورة اليوم تمارس سلطتها وسيطرتها على وجود الإنسان وتفكيره في البيت والشارع والمدرسة وغرفة النوم ودور العبادة في السماء والأرض في كل مكان وفي كل زمان …

وحتى حينما قال الفيلسوف بودريار إن حروب المستقبل ستكون حروب صورة أو حروب تلفزيونية حسب تعبير ريجيس دوبري لم يكونا متشائمين إلى الحد الذي قد يفهم من ظاهر القول ولا أظنهما توقعا أن تكون الحرب بمستوى لا يتصور من القذارة.
فالحرب شر لكن بها أخلاقيات… في الحرب هناك حقوق لا تنتهك وخطوط لا تتجاوز، بل كانا يؤكدان (بارت وريجيس دوبري ) نهاية عهد الحروب التقليدية التي تنتهي بانتصار جيش على جيش وفرض المنتصر شروطه على الخاسر لان حروب المستقبل المنتصر فيها ليس من يقتحم حدود خصمه ويقتله بل من يتحكم في الصورة لذلك أصبحت الصواريخ مزودة بكاميرات فهي تقتل ولكنها لا تكتفي بالقتل بل لابد من تصويره لأن الصورة في هذه الحالة تستطيع أن تثبت حجم الدمار وتفند كل ادعاء وكذب…

الصورة بهذا المعنى مرآة الحقيقة وما نريد قوله بآلاف الكلمات نستطيع قوله بصورة واحدة. إلا أن ريجيس دوبري نفسه تفطن لما يمكن أن يترتب عن استعمال الصور من ضياع المعنى فأكد أن لغة الصورة هي لغة رائييها (بالجمع ) وأنه لا يمكن قراءة الصورة بل تاويلها بحيث يوجد للصورة من القراءات والمعاني بقدر ما يوجد من القراء… إلا أنه لم يتفطن إلى أمر على قدر كبير من الأهمية لقد ظل هو والكثير من دارسي الصورة يعتقدون أن الصورة نسخة لأصل ما ولم يخطر ببالهم أنه قد يأتي زمن تكون الصورة بلا أصل مختلقة وكاذبة ومفبركة لا تعكس الواقع وإنما تعكس إرادة اثمة وقذرة تقف وراءها. وتماما كما تنبأ بودريار بكون حروب المستقبل ستكون حروبا بصرية أو حروبا بالصورة فإن ذلك بدا واضحا أنه يتحقق الحرب تدمر والصورة تدمر ومن يقف وراء فبركة الصورة يخوض حربا مدمرة تنتهك كل شيء بما في ذلك عرض امرأة.

إن الصورة المروجة للسيدة ءامنة ماء العينين تعكس حقيقة ما… إنها حقيقة النزعة المدمرة واللاخلاقية للواقفين وراء فبركتها. وحتى إن كنا على درجة كبيرة من الحياد ولم نسلم أنفسنا للتحليلات التي انقسمت بشأن صحة الصورة أو عدمها فإن الجميع متفق ان الغرض من ورائها هو تدمير امرأة وهذا سبب كاف لإدانتها. إنها حرب قذرة جدا حتى جزء كبير من اولائك الذين يدافعون عن أمينة يفعلون ذلك بقذارة حينما يستثمرون الحدث للدفاع عن الحريات الفردية والحياة الخاصة وهذا توجه قد يكون صادقا عند البعض ومنسجما مع قناعاته لكنه عند البعض يريد بطريقة أخرى أن يقنعنا بأن الصور صحيحة… إنه القتل الرمزي المتعمد والتدمير اللاخلاقي لصورة امرأة. إن حقيقة الصورة المتداولة، الحقيقة الوحيدة للأسف هي أنها صورة لا أصل لها صورة لا تكشف شيئا كعلامة أيقونية إلا حقيقة ووضاعة واضعييها ومروجيها.

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى