الرأي

كعكة السلفيين.. تغري السياسيين!

14291701_1262842660472586_2438994055474699594_n

بقلم إدريس شحتان

إلى عهد قريب، كان الجسم السلفي في المغرب أشبه بـ “حصان أجرب”، يخشى الكل الاقتراب منه، فما بالك بالركوب عليه، أو قيادته، وهو الذي كان قبل تجربة السجن جامحا عصيا على الترويض.. لكن دار الزمن دورته، لتصبح الأحزاب السياسية في مغرب دستور 2011 تغازل بعض شيوخ السلفية، وتقدمهم على أبناء الدار كوكلاء لوائحهم الانتخابية.. فأي حظ هذا الذي حول “حصانا أجرب” إلى فرس للرهان.
إنها موضة انتخابات 7 أكتوبر، أو ربما هي آخر الابتكارات في عالم المراهنة السياسية، من أجل إبراز الصوت السلفي الذي ظل خجولا في التعبير عن إرادته.
بالأمس، فاجأ حزب العدالة والتنمية الكل من خلال ضمه للشيخ السلفي حماد القباج إلى صفوفه، ووضعه كوكيل للائحة المصباح في دائرة جليز بمراكش، وهو توظيف ذكي من داهية اسمه بنكيران.. فمن جهة، يعرف زعيم البيجيدي أن حزبه، بعد خوضه لتجربة الحكم، لم يعد يملك كما كان رصيدا من الود تجاه “السلفية العلمية” التي يمثلها الشيخ عبد الرحمان مغراوي، وهي التي تعتبر خزانا للأصوات في عدد من الدوائر، خاصة بمدينة مراكش.. فكان أن استغل الخلاف الحاصل بين القباج والمغراوي، حتى يضع يده على نصيب من هذا الخزان. ومن جهة ثانية، جاء ترشيح القباج في وقت حرج كانت تمر منه حركة التوحيد والإصلاح في قضية “الكوبل الحركي”، وبالتالي، يكون بنكيران قد حوَّل النقاش سريعا داخل البيجيدي وحركة التوحيد والإصلاح، لتغطي سلفية القباج على “الزواج العرفي” لبن حماد والنجار.. وهذا هو التفسير البسيط للمثل القائل “ضرب عصفورين بحجرة واحدة”.
أما حزب الاستقلال، فقد وجد فيه الشيخ السلفي عبد الوهاب رفيقي ضالته.. ورفيقي الملقب بـ”أبو حفص” ليس من طينة السلفيين الذين يبحثون عن مؤسسة للاشتغال، ومن ثمة الابتعاد عن “صداع الراس”.. فقبوله المبدئي بحمل رمز الميزان في الاستحقاقات القادمة، رفقة مجموعة من إخوانه السلفيين لم يكن سهلا، أو مجانيا، لاعتبار بسيط، هو أن أبو حفص جرب العمل السياسي في حزب النهضة والفضيلة رفقة عدد من السلفيين الذين يقتسمون معه نظرته للدين، وطريقته في تذويب هذا الدين في حياة الناس.. لكن ذلك كله لم يضف لرفيقي شيئا من شأنه أن يجعله علامة فارقة ضمن شيوخ السلفية، خاصة وأن هدفه من دخوله العمل السياسي بحزب خليدي، كان واضحا، وهو تبني الحزب ملف معتقلي السلفية، وإدماجهم في المجتمع.. هذا الهدف لم يتحقق، ليجد أبو حفص أن بانضمامه وإخوانه لحزب الاستقلال هناك إمكانية كبيرة لتحقيق هذا المسعى، خاصة وأن حزب الميزان يتوفر على إمكانيات لوجيستيكية وله ما يكفي من العلاقات التي من شأنها ألا تزحزح الملف فقط، بل حله أيضا، مادام الحزب هو نفسه ذو مرجعية سلفية ويتبنى محاربة التطرف ومستعد لتبني ملف السلفية أيضا.
أما حزب عرشان، فهو يراهن على الشيخ السلفي عبد الكريم الشاذلي ومن معه من السلفيين لخلق المفاجأة في الاستحقاقات المقبلة، وعلى الرغم من دخول رموز الحزب في حوار مع مسؤولين بالسفارة الأمريكية في الرباط من أجل دعم السلفيين في محطة 7 أكتوبر، إلا أن الشاذلي ما يزال مترددا إلى حدود الآن في خوض تجربة الصراع من أجل المقعد النيابي..
والملاحظ، أن مراهنة بعض الأحزاب السياسية على وجوه سلفية معينة في الاستحقاقات المقبلة، لا يشكل ثقلا انتخابيا من شأنه أن يرجح كفة هذا الحزب على ذاك، وذلك لاعتبارات عدة، ضمنها أن الجسم السلفي في المغرب عبارة عن كتلة غير متجانسة. فهو جسم متنافر تتصارع فيه المدارس والمرجعيات، وسيظل محكوما بالشتات مادامت هناك نزعة الزعامات تهيمن على شيوخه. أضف إلى ذلك، أن هذا الجسم يشبه إلى حد كبير دوري لكرة القدم، يتكون فقط من المدربين، في حين يفتقد إلى قاعدة من اللاعبين الذين تدرجوا في كافة الفئات العمرية ضمن الفرق، إذ يبدو أن أغلب اللاعبين في معترك السلفية الآن، يشبهون لاعبي الأحياء. وهذا ما يجعل الزعامات وحدها البارزة في الساحة السلفية.
من جهة أخرى، إن تهافت بعض الأحزاب على “كعكة السلفيين” فيه نوع من البراغماتية المتبادلة، فالأحزاب تسعى من خلال استقطاب بعض وجوه السلفية إلى استغلال أصوات أتباعهم والمتعاطفين معهم على قلتهم، في حين تبحث هذه الوجوه من خلال هذه الأحزاب عن مقاعد برلمانية، حتى تمارس الدعوة من داخل المؤسسات، مع العمل بالآية القائلة “ولا تنسى نصيبك من الدنيا”.. غير أن عملية توزيع هذه الكعكة بين الأحزاب، ستزيد من تأزم الجسم السلفي، ليظل في شتاته “إلى يوم يبعثون”.
لكن من ناحية أخرى، إن تهافت الأحزاب السياسية على بعض الشيوخ السلفيين للترشح تحت رموزهم في محطة 7 أكتوبر، يعتبر من حيث الجوهر خطوة إيجابية، يمكن قراءتها من عدة زوايا.. ذلك أن ترشيح وجوه سلفية للانتخابات التشريعية، فيه نوع من الانفتاح على هذه الشريحة التي تعتبر نفسها منبوذة في المجتمع. كما أنه نوع متقدم من مصالحة الدولة مع رموز هذا التيار الذي اجتهد من أجل كسب ثقتها، طبعا الكلام هنا لا ينطبق على القباج الذي لا زالت مواقفه غير واضحة وتصريحاته صادمة.. إلى جانب أن هذا الانفتاح هو في الأصل عنوان عريض للطريقة السلسلة التي احتوى بها المغرب بعض رموز السلفية، حتى يضمن لهم التدافع في إطار المؤسسات، وهذا في نظري هو عين العقل.. إيوا وريونا حنة يديكم..

حقائق 24

جريدة إلكترونية مغربية مستقلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى